إن متطلبات العصر و الانفجار المعرفي تفرض على المجتمع استمرارية التغير و
التجديد، نتيجة تطلع الأفراد نحو مسايرة المستجدات للاستفادة حتى تلك المتطلبات
التي تصنع الرقي و الازدهار الحضاري و الثقافي، بحيث يتم اختيار ما يتناسب و
حاجيات الفرد.
في هذا السياق يسعى النظام التربوي بالجزائر إلى إيجاد التوازن الموضوعي و
المنهجي لعناصر المنظومة التعليمية بدءا بالغايات و انتهاء بالتقويم و التوجيه
المدرسي و المهني، و لتحقيق هذا الغرض يتم اختيار بيداغوجيا المقاربة بالكفاءات
التي تقوم على أسس نفسية و تربوية يتم الانتقال فيها من منطق التعليم الذي يركز
على المادة المعرفية إلى منطق التعلم الذي يهتم بالمتعلم و يجعل دوره محوريا في
الفعل التربوي.
تجدر الإشارة هنا أن الأساس العلمي لهذه المنهجية يعود إلى المدرسة
البنائية التي ترى أن هناك حلقة وصل بين المثير و الذات و الاستجابة، بمعنى أنها
تشجع المتعلم على المبادرة بنفسه للتعلم، مستثمرا في ذلك مجموعة الاستعدادات و
الإمكانات الذاتية من أجل تفعيل دوره داخل و خارج المدرسة، و يندرج هذا ضمن التصور
الذي يجعل المعلم مبدعا تلقائيا أكثر من كونه ملما للمعارف، و يكون المتعلم فيها
مشاركا و فاعلا إيجابيا في العملية التعليمية التعلمية.
ما هي الكفاءة؟
الكفاءة هي تعبئة مجموعة
الاستعدادات و القدرات و المعارف التي يوظفها الفرد بمهارة و فاعلية للتكيف مع
وضعية مشكلة.
خصائص الكفاءة:
1-
تتحقق الكفاءة من خلال إدماج المعارف
العلمية و معارف التجربة الذاتية و المهارات و القدرات بصورة منظمة و منسقة.
2-
الكفاءة وظيفية توجب على المتعلم إنتاج مجموعة من السلوكات تجاه وضعية
مشكلة.
3-
الكفاءة رصيد كامن في متناول كل فرد، يتطور بالممارسة و لا يزول بعدم
الممارسة.
4-
الغائية بمعنى أن غايتها نفعية لها دلالة بالنسبة للمتعلم (تعلم فعل
الكتابة هو كفاءة تمكن الفرد من التواصل بواسطة كتابة رسالة مثلا.)
5-
قابلة للتقويم بناءا على النتائج المحصل عليها.
أنواع الكفاءة حسب مستوياتها:
كفاءة قاعدية: هي نواتج التعلم الأساسية المرتبطة بالوحدات التعليمية، و هي
الأساس التي بني عليه العلم.
كفاءة مرحلية: هي مجموعة من الكفاءات القاعدية تسمح بتوضيح الأهداف
الختامية من أجل تجسيدها و هي تتعلق بشهر أو فصل.
كفاءة ختامية: تعبر عن مفهوم إدماجي لمجموعة من الكفاءات المرحلية تبنى
خلال سنة أو طور.
قياس الكفاءة:
يركز النمط التقويمي في منهجية المقاربة بالكفاءات على قياس أداء المتعلم في
توظيف معارفه المكتسبة لمعالجة وضعيات مشكلة، و تجاوز حواجزها، و مؤشر الكفاءة هو
الذي يعبر عن الأداء المعرفي و السلوكي الذي يمكن بواسطته معرفة مدى تحكم المتعلم
في الكفاءة المكتسبة.
وسائل قياس الكفاءة
أ- الاختبارات: يجب مراعاة النقاط التالية:
-
أن تقوم عناصر الاختبار إنتاج التلاميذ.
-
أن يكون مستوعبا لمستويات الكفاءة.
-
أن يقيس فعلا مؤشرات الكفاءة حسب مستوياتها الزمنية.
-
أن تكون الأنشطة مميزة بين التلاميذ الذين تحقق فيهم مؤشر الكفاءة و أولئك
الذين لم يتحقق فيهم، و أن تتدرج الأسئلة في صعوبتها (مراعاة الفروق الفردية بين
التلاميذ).
ب- القياس بالملاحظة: و هي المشاهدة التي يقوم بها
الفاحص لتسجيل الظواهر البارزة على الفرد و يراعي فيها مجموعة من الشروط و أهمها:
-
أن تكون مشاهدة موضوع الملاحظة متاحة و متيسرة.
-
سهولة تحويل المشاهدة إلى بيانات رقمية.
-
القدرة على استعمال أدوات الملاحظة (شبكة الملاحظة،سجل الملاحظة...)
التوجيه المدرسي ضمن منهجية المقاربة بالكفاءات:
إن التوجيه المدرسي و المهني كان و لا يزال يعمل ضمن هذه المنهجية، فهو
يساعد التلميذ على اكتشاف ذاته و محيطه الخارجي، و يعمل على تكوين شخصية المتعلم
من خلال تحقيق التوافق بين المعطيين ليكون في مستوى المسؤولية لاتخاذ القرارات
المناسبة لبلوغ الطموحات و تحقيق مشروعه الفردي المستقبلي.
و يتجسد ذلك من خلال النشاطات المنجزة في المجالات التالية:
أ- في مجال الإعلام: الإعلام المدرسي نشاط تربوي
يساهم في تكوين مواقف و تهذيب الاتجاهات لدى التلميذ قصد بناء مشروعه المستقبلي
يتم ذلك عن طريق لقاءات فردية و جماعية تتمحور حول مستلزمات الشعب الدراسية و عالم
المهن و الشغل من جهة و تزويده بطرق البحث و الاستعلام الذاتي من جهة أخرى.
كما يتوجه
الإعلام للأستاذ و الأولياء لتحسيسهم بضرورة مساعدة التلميذ لتحقيق كفاءة الاختيار
الشخصي و السليم.
ب- في مجال الإرشاد النفسي و التربوي:
يعتبر الإرشاد
النفسي من أهم النشاطات التي يقوم بها مستشار التوجيه المدرسي و المهني للتلميذ
بغرض مساعدته على فهم ذاته و محيطه لتنمية شخصية مستقلة تهتم بروح المبادرة في أخذ
القرار، و يكون ذلك في أغلب الأحيان باستعمال أو تطبيق علاقة المساعدة في لقاء
فردي مع التلميذ، يسعى من خلاله مستشار التوجيه إلى مساعدة التلميذ على كشف ذاته و
محاولة تكييفها مع الواقع، بالربط بين قدرات و مميزات هذه الذات و متطلبات الوسط
الخارجي.
كما يمكن تتم
المساعدة عن طريق اللقاءات الجماعية، باستعمال تقنية دينامكية الجماعة مع التلاميذ
عن طريق تشكيل أفواج ينشطها مستشار التوجيه تقوم أساسا على تداعي أفكار التلاميذ و
الهدف منها معالجة الوضعيات الدراسية و التربوية بصفة عامة.
أ-
في مجال التقويم:
يعتمد مستشار
التوجيه على وسائل عديدة في عملية التقويم منها: بطاقة المتابعة و التوجيه،
استبيان الميول و الاهتمامات، المقابلات الفردية و الجماعية و يعد تحليل النتائج
المدرسية أهم وسيلة تمكنه نسبيا من معرفة مستوى التلميذ و معالجة نقاط ضعفه
بالتنسيق مع الفريق التربوي و الإداري و من ثمة مساعدة المتعلم على حل المشكلات و
تجاوزها.
- منهجية المقاربة بالكفاءات ليست قطعية مع المناهج البيداغوجية المعروفة، إنما هي استمرارية و تجديد تهدف إلى تجسيد الفعل التربوي من أجل تحسين إستراتيجية التعلم من خلال جعل التلميذ المحور الأساسي في العملية التعليمية التعلمية، حتى ينشأ فرد قادر على التكيف لمختلف الوضعيات التي تواجهه داخل و خارج المدرسة.
نجاح هذه العملية مرهون بتحسيس كل المعنيين بالعملية التربوية لأداء مهامهم على أكمل وجه، و هذا الأخير يستدعي تكوين قاعدي للمكونين لاستيعاب مضامين البرامج الجديدة التي يمكن أن تطبق إذا لم تتوفر الوسائل التعليمية اللازمة، و إذا لم تكن روح المبادرة اللازمة و اجتهاد كبير من طرف مكون كفء تشجعه في ذلك الحوافز المادية و المعنوية لتحقيق الأهداف التربوية المرجوة.